خـــالى علامة ؟ ......

موضوع: خـــالى علامة ؟ ...... 5/5/2008, 08:19

إنه خالى الشقيق الثانى لوالدتى ، الذى يكبرها بعام أو بعامين .... نحيف ، طويل ، شعره أسود كالليل ...ناعم كالحرير ..ملامحه تقول أنه جــــاء من وراء الجبال العالية والصحارى الشاسعة ...وكانت _ ملامحه _ تقول أيضا شيئا لم أفهمه . شئ غريب يظهر بين حين لآخر .فى ضحكته أو فى ومضة عينيه . شئ ينطلق كالسهم المصوب بإتقان فلا يخطئ هدفه .
حملنى خالى " عبده " صغيرا ، ودللنى كلما جاء إلينا . ولم يكن يقابلنى حتى يقول لى شيئا يجعلنى ابتسم أو أضحك حتى أكاد أقع على الأرض . لم يوبخنى قط على أخطائى ، وإن كان عليه أن ينصحنى مزج نصيحته بضحكة أو بقصة . والأمر الغريب أننا لم نكن نراه مهموما لقد كان دائما مبتسما أو فى طريقه للابتسام أو قد جلس وحوله جمع من المعارف والأصدقاء وقد انفجروا فى الضحك .
كان يفعل كل ذلك حتى آذان العشاء . أما بعد العشاء فلا يعثر عليه أحد مهما حاول ومهما بحث . انه يذهب إلى مكان ما ، مكان لا نعرفه ، وحتى هؤلاء الذين قاموا بزيارته فى منزله ليلا لم يجدوه ...وكانت اجاباته على هذه التساؤلات لا تقل غرابة عن اختفائه . فقد قال مرة :
" فى الليل ، أنا لا أرى جيدا ...ان نظرى ضعيف وبالتالى أضل طريقى إلى منزلى ، وأظل أبحث عنه طوال الليل حتى يأتى الصباح " . وضحك السائل . وقال مرة أخرى :" اننى أصعد إلى الجبل لألتقى بحبيبتى فى بهمة الليل ".وضحك الجميع .
ولأن هذه اجاباته فقد كف الناس عن سؤاله عن لياليه وكيف يمضيها ورضوا بأن يروه نهارا وأن يختفى عن أنظارهم ليلا .
وفى الليلة التى ماتت فيها أمى وجدته على الباب . قالت نظراته أنه يعرف ....ولكن كيف ؟! لم يبك ولم يبتسم ولم يتكلم لمدة ثلاثة أيام . نادى على فى نهاية اليوم الثالث وقال : " لا تخف ...ولا تحزن ....إنها بخير ...بخير حقا ". ....كان يتكلم بثقة مطلقة وكان جادا بصورة لم أعتادها ....لا أدرى ماذا حدث له ...لقد أخذت ملامح خالى تتغير تدريجيا حتى رأيت أمى تجلس أمامى وقد استردت شبابها وقالت لى وهى تبتسم " لا تخف ....أنا بخير . أنا حقا بخير " .
أصابتنى رجفة شديدةوفقدت القدرة على الكلام وعلى التفكير وسقطت مغشيا على .
أصبح خالى " عبده " لغزا محيرا ، لغزا لا يعرف عنه أحد شيئا ، ولا يفك رموزه وأسراره كائن ، لمح خالى حيرتى فى كلامى إليه وفى نظراتى إلى وجهه المشرق فقال لى :
" إذا أردت أن تنزل البحر فتوغل فيه برفق ....وخير السفن هى نفسك ....بشرط أن تكون أنت القبطان " .
كان رد فعلى هو الصمت ، كنت أتمنى أن أعرف عنه المزيد حتى أرتاح ...فأخذت أسأل عنه معارفه وأصدقاءه الذين يقضون معه أوقاتا طويلة ولكن حيرتى زادت لأنهم لم يكونوا يعرفون عنه أكثر مما أعرف ...إنهم يحبونه فقط ويفتقدونه إذا غاب ....ولكننى لم أيأس .
قادنى بحثى إلى مكتب الصحة وبمعونة صديق أخذت أبحث فى سجل المواليد .....فجمدتنى الدهشة ، لقد اكتشفت أن خالى يكبر أمى بثلاثين عاما ....وهذا يعنى أنه تخطا المائة عام بالرغم أنه يبدو للجميع بالكاد قد تخطا الستين ...وبدأت أفهم لماذا كانت أمى ترفض أن تجيب على أسئلة كثيرة حول خالى ...وخرجت من مكتب سجل المواليد وإذا بخالى أمامى وعلى وجهه ابتسامة عريضة هادئة .....قال :
" لقد قلت لك أن تبحر برفق ...ومهما كانت سفينتك صغيرة فإنك تصل " . ....وضع يده على كتفى وسرت معه فى شارع جانبى ....وشعرت ببعض الهدوء وأنا بجواره ثم تحول الهدوء إلى اطمئنان ثم إلى سكينة ....ومع الهدوء الذى يسود الشارع والسكينة التى تملأ صدرى بدأت أفهم شيئا مما قاله لى ....وقبل أن نصل إلى نهاية الشارع ظهر رجل أمامنا هو خالى أو يكاد ، فنظرت بسرعة إلى صاحب اليد التى ترقد على كتفى فإذا به خالى " عبده " .....فمن يكون هذا الذى قفز فجأة أمامنا ....نسختان طبق الأصل ...الوجه هو الوجه .....الخطوة هى الخطوة ....حتى الملابس هى نفس الملابس ....توقفت النسخة أمام الأصل أو الأصل أمام النسخة ...وتكلم خالى مع خالى ....وقلت فى نفسى " أى جنون هذا ...أيعقل هذا ....لا ...إنه بلا شك حلم ...لا ليس حلم ....لا ..." . وسلم أحدهما على ...وكان شحما ولحما ....
تكرر ذلك ثلاث مرات ...وشعرت بأن رأسى يكاد ينفجر ....وأصبحت قدماى غير قادرة على حملى ....نظرت إليه طالبا النجدة ...قال " هيئ سفينتك للإبحار " ....هززت رأسى بالموافقة ....حملنى خالى أو حملونى إلى المنزل ...وبعدها بدأت فى تنفيذ نصيحة خالى .
حســــــــ حـــــــامد ـــــــام